التخطي إلى المحتوى

بعد تصريح وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان الذي قال فيه أن المملكة العربية السعودية توصلت إلى أن التعامل مع لبنان “لم يعد مثمرا أو مفيدا”، لم يعد هناك أي مجال للتحليل والإجتهاد والتفسير. 

فالأمور قد اصبحت معقدّة إلى حدّ الإعتقاد أن الإتصالات الديبلوماسية والمساعي، التي لم يتوقف عن بذلها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وبالأخصّ في لقاءاته الثنائية مع المسؤولين الدوليين على هامش قمة “غلاسكو” في إسكتلندا، هي صعبة وشاقة، خصوصًا أن ما صرّح به الوزير السعودي كشف الجزء المخفي من جبل الجليد في مسار العلاقات اللبنانية – السعودية.

ففي تصريحه لم يحاول الوزير بن فرحان “تجميل” توصيفات العلاقات اللبنانية – السعودية، بل دفع الأمور إلى حيث لم يكن أحد يتوقعه، خصوصًا عندما كشف بأنه “مع استمرار سيطرة “حزب الله” على المشهد السياسي، ومع ما نراه من امتناع مستمر من هذه الحكومة والقادة السياسيين اللبنانيين عامة عن تطبيق الإصلاحات الضرورية، والإجراءات الضرورية لدفع لبنان باتجاه تغيير حقيقي، قررنا أن التواصل لم يعد مثمرا أو مفيدا، ولم يعد في مصلحتنا”. ووضع تصريح وزير الإعلام جورج قرداحي في إطار “عرض لواقع أن المشهد السياسي في لبنان ما زال يسيطر عليه “حزب الله”، وهو جماعة إرها….، وبالمناسبة تقوم بتسليح ودعم وتدريب ميلشيات الحوثيين.وقال:” بالنسبة إلينا، الأمر أكبر من تصريحات وزير واحد، إنه مؤشر على الحالة التي وصلت إليها الدولة اللبنانية”.

هذه المواقف لوزير خارجية المملكة العربية السعودية فاجأ الجميع في لبنان كما في سائر الدول، التي كان مسؤولوها يحاولون ترطيب الأجواء ومحاولة رأب الصدع، ولكنّ هذا التصريح الذي كشف حقيقة الأزمة زاد الأمور تعقيدًا، وجعل مهمة “سعاة الخير” أكثر صعوبة من أي وقت، حيث كانوا يأملون في إمكانية التوصل إلى قواسم مشتركة في مهمّة التقريب في وجهات النظر بين بيروت والرياض. 

ولكن بعد تصريح الوزير بن فرحان، الذي عكس حقيقة موقف المملكة من لبنان، حين قرر خلع “قفازاته الديبلوماسية”، وسمّى الأشياء بإسمائها، وترجم بلغة مباشرة موقف القيادة السعودية، يبدو أنها قد إتخذت موقفًا لا رجوع عنه، وهو كلام  لم يسبق لأي مسؤول سعودي آخر أن قاله بهذه الحدّية على رغم المصاعب الكثيرة التي مرّت بها العلاقات اللبنانية – السعودية من توتر في الآونة الأخيرة.

وعلى ما يبدو أيضًا من ظاهر الأمور أن الوضع بات يحتاج إلى أكثر من أعجوبة. حتى أن إستقالة الوزير قرداحي لم تعد تقدّم أو تؤخرّ بشيء، وهي لم تكن واردة في الأساس بالنسبة إلى الفريق الذي يدعم موقفه، ويعتبر أن الحياة “وقفة عز”، ويضيفون عليها ما قاله الزعيم أنطون سعادة “الحياة لا تكون إلا في العزّ. أما العيش فلا يفرّق بين العزّ والذّل”.

فالمسألة، كما هو واضح ولا لبس فيها، أنها لم تعد محصورة بإعتذار وزير أو إستقالته، بل هي أكبر من هذا كله، لأن ما قاله الوزير بن فرحان لم يسبق أن قاله أي مسؤول آخر حتى ولو كانت بين الدول المتنازعة عداوات تاريخية.

ويبقى السؤال الكبير مطروحًا على بساط الواقع: هل يمكن أن تنجح المساعي التي يبذلها المسؤولون اللبنانيون و”سعاة الخير”، وهل يمكن لبنان أن يغرّد خارج سربه العربي، وهو الذي كان من مؤسسي جامعة الدول العربية؟

سؤال برسم الجميع، وبالأخصّ على مستوى العلاقة الواقفة على حدّ السيف بين أولئك اللبنانيين المنتمين إلى محاور متناقضة ومتنافرة.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *